فصل: فصل: (الحكم إذا اشترط البائع البراءة من كل عيب)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


باب‏:‏ الربا

الربا محرم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وحرم الربا‏}‏ وما بعدها من الآيات وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه‏]‏ متفق عليه وهو على ضربين‏:‏ ربا الفضل وربا النسيئة والأعيان على الربا فيها ستة مذكورة في حديث عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏الذهب بالذهب مثلا بمثل والفضة بالفضة مثلا بمثل والتمر بالتمر مثلا بمثل والبر بالبر مثلا بمثل والشعير بالشعير مثلا بمثل والملح بالملح مثلا بمثل من زاد أو ازداد فقد أربى بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد وبيعوا الشعير بالتمر كيف شئتم يدا بيد‏]‏ رواه مسلم واختلفت الرواية في علة الربا ثلاث روايات فأشهرهن‏:‏ أن علته في الذهب والفضة الوزن والجنس وفي غيرهما الكيل والجنس لما روي عن عمار أنه قال‏:‏ العبد خير من العبدين والثوب خير من الثوبين فما كان يدا بيد فلا بأس به إنما الربا في النساء إلا ما كيل أو وزن ولأنه لو كانت العلة الطعم لجرى الربا في الماء لأنه مطعوم قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن لم يطعمه فإنه مني‏}‏ فعلى هذا يحرم التفاضل في كل مكيل أو موزون من جنس سواء كان مطعوما كالقطنيات أو غير مطعوم كالأشنان والحديد ويجري الربا فيما كان جنسه مكيلا أو موزونا وإن تعذر الكيل فيه أو الوزن إما لقلته كالتمرة والقبضة وإما دون الأرزة من الذهب والفضة وإما لعظمه كالزبرة العظيمة وإما للعادة كلحم الطير لأنه من جنس فيه الربا فجرى فيه الربا كالزبرة العظيمة وما نسج من القطن والكتان لا ربا فيه نص عليه لحديث عمار وما عمل من الحديد ونحوه ما كان يقصد وزنه جرى فيه الربا لأنه تقصد زنته فجرى فيه الربا كلحم الطير وما لا تقصد زنته لا يجري فيه الربا كالثياب والرواية الثانية‏:‏ العلة في الذهب والفضة‏:‏ الثمينة غالبا وفيها عداهما كونه مطعوم جنس لما روى معمر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏نهى عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل‏]‏ رواه مسلم ولأنه لو كان الوزن علة فلم يجز إسلام النقد في الموزنات لأن اجتماع المالين في أحد وصفي علة ربا الفضل يمنع النساء بدليل إسلام المكيل في المكيل فعلى هذه الرواية يحرم التفاضل في كل مطعوم بيع بجنسه من الأقوات والأدام والفواكه والأدوية والأدهان المطيبة وغيرها وإن لم يكن مكيلا ولا موزونا كالبطيخ والرمان والبيض ونحوها والرواية الثالثة‏:‏ العلة كونه مطعوم جنس مكيلا أو موزونا لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل والمماثلة المعتبرة هي المماثلة في الكيل والوزن فدل على أنه لا يحرم إلا في مطعوم يكال أو يوزن ولا يحرم فيما لا يطعم كالأشنان والحديد ولا فيما لا يكال كالبطيخ والرمان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ما يجري فيه الربا‏]‏

وما يجري فيه الربا اعتبرت المماثلة فيه في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏الذهب بالذهب وزنا بوزن والفضة بالفضة وزنا بوزن والبر بالبر كيلا بكيل والشعير بالشعير كيلا بكيل‏]‏ رواه الأثرم ولا يجوز بيع مكيل بجنسه وزنا ولا موزون كيلا للخبر ولأنه لا يلزم من تساويهما في أحد المعيارين التساوي في الآخر لتفاوتهما في الثقل والخفة ولا يجوز بيع بعضه ببعض جرفا من الطرفين ولا من أحدهما لما روى جابر قال‏:‏ ‏[‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الصبرة لا يعلم مكيلها بالكيل المسمى من التمر‏]‏ رواه مسلم ولأن الممائلة لا تعلم بدون الكيل من الطرفين فوجب ذلك وما لا يكال ولا يوزن يعتبر الماثل فيه بالوزن لأنه أحصر ومنه ما لا يتأتى كيله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المرجع في الكيل والوزن‏]‏

والمرجع في الكيل والوزن إلى عادة أهل الحجاز لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏المكيال مكيال أهل المدينة والميزان ميزان أهل مكة‏]‏ وما لا عرف له بالحجاز يعتبر بأشبه الأشياء به بالحجاز في أحد الوجهين لأن الحوادث ترد إلى أقرب الأشياء شبها بها وهو القياس والثاني ترد إلى عرفه في موضعه لأن ما لا حد له في الشرع يرد إلى العرف كالقبض والحرز‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع متماثلا وتحريمه متفاضلا‏]‏

والجيد والرديء والتبر والمضروب والصحيح والمكسور سواء في جواز البيع متماثلا وتحريمه متفاضلا للخبر وفي بعض ألفاظه ‏[‏الذهب بالذهب تبرها وعينها والفضة بالفضة تبرها وعينها‏]‏ رواه أبو داود وفي لفظ ‏[‏جيدها ورديئها سواء‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التفاضل في الجنس الواحد‏]‏

ولا يحرم التفاضل إلا في الجنس الواحد للخبر والإجماع وكل شيءين اتفقا في الاسم الخاص من أصل الخلقة فهما جنس كأنواع التمر وأنواع البر وإن اختلفا في الاسم من أصل الخلقة فهما جنسان كالستة المذكورة في الخبر لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الزيادة فيها إذا بيع منها شيء بما يوافقه في الاسم وأباحها إذا بيع بما يخالفه في الاسم فدل على أن ما اتفقا في الاسم جنس وما اختلفا فيه جنسان وعنه‏:‏ أن البر والشعير جنس لأن معمر بن عبد الله قال لغلامه فيهما لا تأخذن إلا مثلا بمثل ‏[‏فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الطعام إلا مثلا بمثل‏]‏ رواه مسلم والمذهب الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الأعيان الستة فإذا اختلفت هذه الأصناف الستة فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد ‏[‏رواه مسلم وقال‏]‏ لا بأس ببيع البر بالشعير والشعير أكثرهما يدا بيد رواه أبو داود وحديث معمر لا بد فيه من إضمار الجنس الواحد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم المتخذ من أموال الربا‏]‏

والمتخذ من أموال الربا معتبر بأصله فما أصله جنس واحد فهو جنس واحد وإن اختلفت أسماؤه وما أصله أجناس فهو أجناس وإن اتفقت أسماؤه فدقيق الحنطة والشعير جنسان ودهن اللوز والجوز جنسان وزيت الزيتون والبطم جنسان وكذلك خل العنب وخل التمر وعنه‏:‏ أنهما جنسان والأول أصح لأنهما فرعا أصلين مختلفين فكانا جنسين كالأدقة وفي اللحم ثلاث روايات‏:‏

إحداهن‏:‏ أنه كله جنس واحد لأنه اشترك في الاسم الواحد حال حدوث الربا فيه وكان جنسا واحدا كالتمر‏.‏

والثانية‏:‏ أنه أربعة أجناس لحم الأنعام ولحم الوحش ولحم الطير ولحم دواب الماء لأنها تختلف منفعتها والقصد إلى أكلها فكانت أجناسا‏.‏

والثالثة‏:‏ أنها أجناس فكانت أجناسا كالتمر الهندي والبرني وبهذا ينتقض دليل الرواية الأولى والثانية لا أصل لها فعلى هذه الرواية لحم بهيمة الأنعام كلها ثلاثة أجناس ولحم بقر الوحش والأهلية جنسان وكل ما انفرد باسم وصفة فهو جنس وقال ابن أبو أبي موسى‏:‏ لا خلاف عن أحمد أن لحم الطير والسمك جنسان وفي الألبان من القول نحو مما في اللحم لأنها من الحيوانات يتفق اسمها فأشبهت اللحم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التفاضل في اللحم‏]‏

واللحم والشحم والكبد والطحال والرئة والكلية والقلب والكرش أجناس لأنها مختلفة في الاسم والخلقة قال بعض أصحابنا‏:‏ الشحم والألية جنسان لذلك وقالوا‏:‏ اللحم الأحمر والأبيض الذي على الظهر والجنبين جنس لاتفاقهما في الدسم المقصد ويحتمل أن يكون الشحم الذي يذوب بالنار كله جنسا واحدا لاتفاقهما في اللون والصفة والذوب بالنار وقد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن البقر والغنم حرمنا عليهم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما‏}‏ فاستثناه من الشحم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم بيع ما فيه ربا‏]‏

ولا يجوز بيع ما فيه ربا بعضه ببعض ومعهما أو مع أحدهما من غير جنسه كمد بر ودرهم أو بمدين أو درهمين وعنه ما يدل على الجواز إذا كان مع كل واحد منهما من غير جنسه أو كان المفرد أكثر ليكون الزائد في مقابلة غير الجنس والأول المذهب لما روى فضالة بن عبيد قال‏:‏ ‏[‏أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها بتسعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا حتى تميز بينهما‏]‏ رواه أبو داود‏.‏

ولأن الصفقة إذا جمعت شيءين مختلفي القيمة انقسم الثمن عليهما على قدر قيمتهما بدليل ما لو اشترى شقصا وسيفا فإن الشفيع يأخذ الشقص بقسطه من الثمن وإذا قسم الثمن على القيمة أدى إلى الربا لأنه إذا باع مدا قيمته درهمان ودرهما بمدين فقيمتهما ثلاثة حصل في مقابلة الجيد مد وثلث فأما إذا باع نوعين مختلفي القيمة من جنس بنوع واحد من ذلك الجنس كدرهم صحيح ودرهم قراضة بصحيحين فقال القاضي الحكم فيها كالتي قبلها لذلك وقال أبو بكر‏:‏ يجوز لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏الفضة بالفضة مثلا بمثل‏]‏ ولأن الجودة ساقطة فيما قوبل بجنسه لما تقدم وعن أحمد رضي الله عنه‏:‏ منع ذلك في النقد وتجويزه في غيره لأنه لا يمكن التحرز من اختلاط النوعين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم بيع الخالص بالمشوب‏]‏

ولا يجوز بيع خالصه بمشوبه كحنطة فيها شعير أو زوان بخالصة أو غير خالصة أو لبن مشوب بخالص أو مشوب أو عسل في شمعه بمثله إلا أن يكون الخلط يسيرا لا وقع له كيسير التراب والزوان ودقيق التراب الذي لا يظهر في الكيل لأنه لا يخل بالتماثل ولا يمكن التحرز منه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ما اشتمل على جنسين بأصل الخلقة‏]‏

وما اشتمل على جنسين بأصل الخلقة كالتمر فيه النوى فلا بئس ببيع بعضه ببعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم أبح بيع التمر بالتمر وقد علم أن في كل واحد نوى ولو نزع النوى ثم ترك مع التمر صار كمسألة مد عجوة لزوال التبعية لو نزع من أحدهما نواه ثم باعه بتمر فيه نواه فكذلك وإن باع النوى بمثله والمنزوع بمثله جاز لأنه جنس متماثل وإن باع المنزوع وحده بالنوى جاز فيه التفاضل لأنهما جنسان وإن باع النوى بتمر فيه نواه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا يجوز لأنه في مسألة مد عجوة‏.‏

والثانية‏:‏ يجوز لآن ما فيه الربا غير مقصود في أحد الجانبين فلم يمنع كبيع دار مموه سقفها بذهب بذهب وكذلك يخرج في بيع شاة لبون بلبن أو ذات صوف بصوف أو لبون بمثلها فإن كانت محلوبة اللبن جاز وجها واحدا لأن الباقي لا أثر له فهو كالتمويه في السقف ويجوز بيع شاة ذات صوف بمثلها وجها واحدا لأن ذلك لو حرم لحرم بيع الغنم بالغنم قال أبو بكر‏:‏ يجوز بيع نخلة مثمرة بمثلها وبتمر لأن التمر عليها غير مقصود ومنعه القاضي لكون الثمرة معلومة يجوز إفرادها بالبيع بخلاف البن ومنع القاضي بيع اللحم بجنسه إلا منزوع العظام لأن العظم من غير جنس اللحم فأشبه الشمع في العسل ويحتمل الجواز لأن العظم من أصل الخلقة فأشبه النوى في التمر بخلاف الشمع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم ما فيه خلط غير مقصود لمصلحته‏]‏

وما فيه خلط غير مقصود لمصلحته كالماء في خل التمر والزبيب ودبس التمر والملح في الخبز والشيرج في الخبيص ونحوه لا يمنع بيعه بمثله لأنه لمصلحته فأشبه رطوبة تمر الرطب ولا يجوز بيعه بخالص كخل الزبيب بخل العنب والخبز الرطب باليابس كما لا يجوز بيع الرطب بالتمر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏يع النيء بالمطبوخ‏]‏

ولا يجوز بيع نيئه بمطبوخه لأن النار تذهب برطوبته وتعقد أجزاءه فتمنع تساويهما ويجوز بيع مطبوخه بمثله إذا لم يظهر عمل النار في أحدهما أكثر من الآخر لتساويهما في الحال على وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان في ثاني الحال كالخبز بالخبز والشواء والسكر والعسل المصفى بالنار بمثله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الحب بالدقيق‏]‏

ولا يجوز بيع حبة بدقيقه وعنه‏:‏ الجواز إذا تساويا وزنا لأن الدقيق أجزاء الحب فجاز بيعه به كما قبل الطحن والمذهب الأول لأن البر ودقيقه مكيلان ولا بيع ما أصله الكيل بشيء من جنسه وزنا ولا يمكن التساوي في الكيل لأن الطحن فرق أجزاء الدقيق ونشرها ويجوز بيع كل واحد من الدقيق والسويق بمثله إذا تساويا في الكيل والنعومة ولما ذكرنا في المطبوخ بمثله ولا يجوز إذا تفاوتا في النعومة لأنه يمنع تساويهما في الكيل إلا على قولنا‏:‏ يجوز بيع الحب بدقيقه وزنا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الأصل بالعصير‏]‏

ولا يجوز بيع أصله بعصيره كالزيتون بزيته والمسمم بالشيرج والعنب بعصيره لأنه لا يتحقق التماثل بين العصير وما في أصله منه ويجوز بيع العصير بالعصير لما ذكرنا في المطبوخ ولا يجوز بيع اللحم بحيوان من جنسه لما روى سعيد بن المسيب أن النبي صلى الله عليه وسلم ‏[‏نهى عن بيع اللحم بالحيوان‏]‏ رواه مالك في الموطأ ولأنه جنس فيه الربا بيع بأصله الذي فيه منه فلم يجز كالزيتون بالزيت وإن باع اللحم بحيوان لا يؤكل جاز لعدم ما ذكر وإن باعه بحيوان مأكول غير أصله وقلنا‏:‏ هما جنس واحد لم يجز وإلا جاز‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع اللبن باللبن‏]‏

ويجوز بيع اللبن باللبن حليبين كانا أو رائبا وحليبا لأن الرائب لبن خالص إنما فيه حموضة ولا يجوز بيع لبن بما استخرج منه من زبد وسمن ومخيض ولا زبد بسمن لأنه مستخرج منه أشبه الزيتون بالزيت وعنه‏:‏ يجوز بيع الزبد باللبن إذا كان أكثر من الزبد الذي في اللبن والسمن مثله وهكذا كمسألة مد عجوة والظاهر تحريمه ولا بيع لبن مائع بجامد لأنهما يتفاضلان ويجوز بيع السمن والزبد والمخيض واللباء والجبن والمصل بمثله إذا تساويا في الرطوبة والنشافة ولم ينفرد أحدهما بمس النار له ويجوز بيع السمن بالمخيض متفاضلا لأنه ليس في أحدهما شيء من الآخر وبيع الزبد بالمخيض نص عليه لأن اللبن في الزبد يسير غير مقصود أشبه الملح في الشيرج ولا يجوز بيع شيء من هذه الأنواع بنوع لم ينزع زبده كالجبن والمصل لما ذكرنا في بيعه باللبن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الرطب باليابس‏]‏

ولا يجوز بيع رطبه بيابسه ‏[‏لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الرطب بالتمر‏]‏ متفق عليه وعن سعد بن أبي وقاص أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال‏:‏ ‏[‏أينقص الرطب إذا يبس‏؟‏ فقالوا نعم فنهاه عن ذلك‏]‏ أخرجه أبو داود فنهى وعلل بأنه ينقص عن يابسه فدل على أن كل رطب يحرم بيعه بيابسه ويجوز بيع رطبه برطبه لأن مفهوم نهيه عن بيع الرطب بالتمر إباحة بيعه بمثله ولأنهما تساويا في الحال على وجه لا يتفرد أحدهما بالنقصان فجاز بيعه به كاللبن باللبن وذكر الخرقي أن الحم لا يباع باللحم إلا إذا تناهى جفافه فدل على أن كل رطب لا يجوز بيعه بمثله اخترها أبو حفص لأنهما لم يتساويا حال الكمال والمذهب والجواز‏:‏ وقال القاضي‏:‏ لم أجد بما قال الخرقي عن أحمد رضي الله عنه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع العرايا‏]‏

ويجوز بيع العرايا وهو‏:‏ بيع الرطب على رؤوس النخل خرصا بالتمر على وجه الأرض لما روى أبو هريرة ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص العرية في خمسة أوسق أو دون خمسة أوسق‏]‏ متفق عليه وإنما يجوز بشروط خمسة‏.‏

أحدها‏:‏ أن يكون دون خمسة أوسق وعنه يجوز في الخمسة لأن الرخصة ثبتت في العرية ثم نهى عما زاد على الخمسة وشك الراوي في الخمسة فردت إلى أصل الرخصة والمذهب الأول لأن الأصل تحريم بيع الرطب بالتمر فيما دون الخمسة بالخبر والخمسة مشكوك فيها فترد إلى الأصل‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون مشتريها محتاجا إلى أكلها رطبا لما روى محمود بن لبيد قال‏:‏ قلت لزيد بن ثابت‏:‏ ما عراياكم هذه‏؟‏ فسمى رجالا محتاجين من الأنصار شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه وعندهم فضول من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا ‏[‏العرية‏]‏ برخصها من التمر ‏[‏يأكلونه‏]‏ رطبا متفق عليه‏.‏

والرخصة الثابتة لحاجة لا تثبت مع عدمها فإن تركها حتى تتمر بطل البيع لعدم الحاجة‏.‏

الثالث‏:‏ أن لا يكون له نقد يشتري به للخبر‏.‏

الرابع‏:‏ أن يشتريها بخرصها للخبر ‏[‏ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم رخص في العرايا أن تباع بخرصها كيلا‏]‏ متفق عليه‏.‏

ولا بد أن يكون التمر معلوما بالكيل للخبر وفي معنى الخرص روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ أن ينتظر كم يجيء منها تمرا فيبيعها بمثله لأنه يخرص في الزكاة كذلك‏.‏

والثانية‏:‏ يبيعها بمثل ما فيها من الرطب لأن الأصل اعتبار المماثلة في الحال بالكيل فإذا خولف الدليل في أحدهما وأمكن أن لا يخالف في الآخر وجب ولا يجوز بيعها برطب ولا تمر على نخل خرصا‏.‏

الخامس‏:‏ أن يتقابضا قبل تفرقهما لأن البيع تمر بتمر فاعتبرت فيه أحكامه إلا ما استثناه الشرع والقبض فيما على النخل بالتخلية وفي التمر باكتياله فإن كان حاضرا في مجلس البيع اكتاله وإن كان غائبا مشيا إلى التمر فتسلما وإن قبضه أو لا ثم مشيا إلى النخلة فتسلمها جاز واشترط الخرقي كون النخلة موهوبة لبائعها لأن العرية اسم لذلك‏.‏

واشترط أبو بكر والقاضي حاجة البائع إلى بيعها وحديث زيد بن ثابت يرد ذلك مع أن اشتراطه يبطل الرخصة إذ لا تتفق الحاجتان مع سائر الشروط فتذهب الرخصة فعلى قولنا يجوز لرجلين شراء عريتين من واحد وعلى قولهما لا يجوز إلا أن ينقصا بمجموعهما عن أو ساق ولا يجوز لوحد شراء عريتين فيهما جميعا خمسة أوسق لأنه في معنى شرائهما في عقد واحد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع العرايا في غير ثمرة النخل‏]‏

قال ابن حامد‏:‏ لا يجوز بيع العرايا في غير ثمرة النخل لما روي ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر إلا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه‏]‏ وهذا حديث حسن ولأن غير التمر لا يساويه في كثرة اقتياته وسهولة خرصه فلا يقاس عليه غيره وقال القاضي‏:‏ يجوز في جميع الثمار لأن حاجت الناس إلى رطبها كحاجتهم إلى الرطب ويحتمل الجواز في التمر والعنب خاصة لتساويهما في وجوب الزكاة فيهما وورود الشرع بخرصهما وكونهما مقتاتين دون غيرهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏ربا النسيئة‏]‏

في ربا النسيئة كل مالين اتفقنا في علة ربا الفضل كالمكلين والموزونين أو المطعومين على الرواية الأخرى لا يجوز بيع أحدهما بالآخر نساء ولا التفرق قبل القبض لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم يدا بيد‏]‏ وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏[‏الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء والبر بالبر ربا إلا هاء وهاء والشعير بالشعير ربا إلا هاء وهاء‏]‏ متفق عليه‏.‏

وما اختلفت علتهما كالمكيل والموزون إذا لم يتفقا في الطعم جاز التفرق فيهما قبل القبض رواية واحدة وفي النساء فيهما روايتان وما لم يوجد فيه علة ربا الفضل كالثياب والحيوان ففيه روايات أربع‏.‏

إحداهن‏:‏ يجوز النساء فيهما لما روي عن عبد الله بن عمرو قال‏:‏ أمرني النبي صلى الله عليه وسلم أن أستسلف إبلا فكنت آخذ البعير بالبعير إلى مجيء المصدق من ‏{‏المستند‏}‏ والثانية‏:‏ لا يجوز لما روى سمرة قال‏:‏ ‏[‏نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏

والثالثة‏:‏ يحرم النساء في الجنس الواحد لهذا الخبر ويباح في الجنسين عملا بمفهومه‏.‏

والربعة‏:‏ يباح مع التساوي ويحرم مع التفاضل في الجنس الواحد لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏الحيوان اثنان بواحد لا يصلح نساء ولا بأس به يدا بيد‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏

وعن ابن عمر رجلا قال‏:‏ يا رسول الله أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس والنجيبة بالإبل‏؟‏ فقال‏:‏ ‏[‏لا بأس به إذا كان يدا بيد‏]‏ رواه أحمد في المسند ولا خلاف في جواز الشراء بالأثمان نساء من سائر الأموال موزونا أو غيره لأنها رؤوس الأموال فالحاجة داعية إلى الشراء بها نساء وناجزا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن تفرقا قبل القبض فيما يشترط القبض فيه‏]‏

فإن تفرقا قبل القبض فيما يشترط القبض فيه بطل العقد فإن تفرقا قبل قبض بعضه بطل في غير المقبوض وفي المقبوض وجهان بناء على تفريق الصفقة وما وجب التماثل فيه إذا بيع عينا بعين فوجد في أحدهما عيبا من غير جنسه بطل البيع لأنه يفوت التماثل المشترط وإن كان البيع في الذمة جاز إبداله قبل التفرق وهل يجوز بعد التفرق‏؟‏ فيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز إذا أخذ البدل في مجلس الرد لأن قبض بدله يقوم مقامه‏.‏

والثانية‏:‏ يبطل العقد برده لأنهما تفرقا قبل العوض وإن كان عيبه لمعنى لا ينقص ذاته كالسواد في الفضة والخشونة فيها فالعقد صحيح وليس له أخذ الأرش لأنه يخل بالتماثل وله الخيار بين فسخ العقد أو الإمساك وليس له البدل إن كان البيع عينا بعين وإن كان البيع في الذمة فحكمه حكم القسم الذي قبله فأما ما لا يجب التماثل فيه فله أخذ أرشه لأن التفاضل فيه جائزة وحكمه فيما سوى ذلك حكم ما قبله‏.‏

باب‏:‏ بيع الأصول

من باع نخلا مؤبرا فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع فتكون له وإن لم تؤبر فهي للمشتري إلا أن يشترطها البائع فتكون له لما روى ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من باع نخلا بعد أن تؤبر فثمرتها للبائع إلا أن يشترطها المبتاع‏]‏ متفق عليه فجعل المؤبرة للبائع فدل على أن غير المؤبرة للمبتاع ولأنها قبل التأبير نماء كامن لظهوره غاية فتبع الأصل قبل ظهوره ولم يتبعه بعده كالحمل وطلع الفحال كغيره ويحتمل أنه للبائع قبل تشققه لأنه يوجد كذلك والطلع ظاهر فهو كالتين والصحيح‏:‏ الأول للخبر لأن المقصود فيما داخل الطلع للتلقيح ولم يظهر فيتبع الأصل كطلع الإناث فإن أبر بعض الحائط دون بعض فما أبر للبائع وما لم يؤبر للمشتري في ظاهر كلام أحمد وقول أبي بكر للخبر وقال ابن حامد‏:‏ الكل للبائع‏:‏ لأن اشتراكهما في الثمرة يؤدي إلى الضرر واختلاف الأيدي فجعلنا ما لم يظهر تبعا للظاهر كأساسيات الحيطان تتبع الظاهر منها ولم يجعل الظاهر تبعا للباطن كما لا تتبع الحيطان الأساس في منع البيع للجهالة وإن كان المبيع حائطين لم يتبع أحدهما صاحبه لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة لانفراد أحدهما عن الآخر وإن أبر نوع من الحائط لم يتبع النوع الآخر في قول القاضي لأن النوعين يختلفان في التأبير وقال أبو الخطاب يتبعه لئلا يفضي إلى سوء المشاركة في الجنس الواحد وإن أبر بعض ما في الحائط فأفرد بالبيع ما لم يؤبر فهو للمشتري لأنه لم يؤبر منه شيء وإن أبر بعض الحائط فباعه ثم أطلع الباقي في يد المشتري فالطلع له لأنه حادث في مكة فكان له كما لو لم يؤبر منه شيء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم العقود الناقلة للأصل‏]‏

وكل عقد ناقل للأصل كجعله صداقا وعوض خلع أو أجرة أو هبة كالبيع فيما ذكرنا لأنه عقد يزيل الملك عن الأصل فأزاله عن الثمرة قبل الظهور كالبيع‏.‏

فصل‏:‏ وسائر الشجر على ستة أضرب‏:‏

أحدهما‏:‏ ما يقصد زهره كالورد والقطن الذي يبقى أعواما فهو كالنخل إن تفتحت أكمامه وتشقق جوزه فهو للبائع وإلا فهو للمشتري كالطلع سواء‏.‏

الضرب الثاني‏:‏ ما له ثمرة بارزة كالعنب والتين فما كان منه ظاهرا فهو للبائع لأنها ثمرة ظاهرة فهي كالطلع المؤبر وما ظهر بعد العقد فهو للمشتري لأنه حدث في ملكه‏.‏

الثالث‏:‏ ما له قشر لا يزال إلا عند الأكل كالرمان والموز فهو للبائع إن كان ظهر لأن قشره من مصلحته فهو كأجزاء الثمرة‏.‏

الرابع‏:‏ ما له قشران كالجوز واللوز فهو للبائع بنفس الظهور لأن قشره لا يزايله في الغالب إلا بعد جذاذه فهو كالرمان وقال بعض أصحابنا‏:‏ إن تشقق قشره الأعلى فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه لا يدخر في قشره الأعلى بخلاف الرمان‏.‏

الخامس‏:‏ ما يظهر ثمره في نوره ثم يتناثر نوره فيظهر كالتفاح والمشمش فما تناثر نوره فهو للبائع وما لا يتناثر فهو للمشتري لأنه لا يظهر إلا بعد تناثر نوره فكان كتأبير النخل ويحتمل أنه للبائع بظهور نوره لأن استتار الثمرة بالنور كاستتار ثمرة النخل بعد التأبير بالقشر الأبيض‏.‏

السادس‏:‏ ما يقصد ورقه كالتوت فيحتمل أنه للمشتري بكل حالة قياسا على سائر الورق ويحتمل أنه إن تفتح فهو للبائع وإلا فهو للمشتري لأنه ها هنا كالثمر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا اشترى شجرا عليه ثمرة للبائع‏]‏

وإذا اشترى شجرا عليه ثمرة للبائع لم يكلف نقلها إلا أوان جذاذها لأن نقل المبيع على حسب العادة ولهذا لو اشترى متاعا ليلا لم يكلف نقله حتى يصبح ولو باع متاعا كثيرا في دار لم يكلف تفريغها إلا على العادة ولم يلزمه جمع دواب البلد لنقله دفعة واحدة فإذا بلغ الجذاذ كلف نقله وإن كان بقاؤه أنفع له لأنه أمكن نقله عادة وإن أصاب الشجر عطش خيف هلاكه ببقائه عليه ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يلزم قطعه لأنهما دخلا في العقد على ترك الثمرة إلى أوان الجذاذ‏.‏

والثاني‏:‏ يلزم قطعه لأن المشتري رضي بذلك إذا لم يضر به وهذا فيه ضرر كثير وإن أراد أحدهما سقي ما له لمصلحته فله ذلك وإن أضر بصاحبه لأنه رضي بالضرر لعلمه أنه لا بد من السقي وإن سقى لغير مصلحة لم يمكن منه لأنه سفه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن باع أرضا بحقوقها‏]‏

وإن باع أرضا بحقوقها دخل ما فيها من غراس وبناء في البيع وإن لم يقل بحقوقها ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يدخل أيضا لأنه متصل بها للبقاء فهو كأجزائها‏.‏

والثاني‏:‏ لا يدخل لأن الأرض اسم للعرصة دون ما فيها وإن قال‏:‏ بعتك هذا البستان دخل الجميع في البيع لأن البستان اسم للأرض ذات الشجر‏.‏

وإن باع الأرض وفيها زرع لا يحصد إلا مرة كالحنطة والشعير والجزر والفجل لم يدخل في البيع لأنه نماء ظاهر لفصله غاية فلم يدخل في بيع الأرض كالطلع المؤبر وسواء كان نابتا أو بذرا لأن البذر مودع في الأرض فلم يدخل في بيعها كالركاز ويكون الزرع مبقى إلى حين الحصاد كما أن الثمرة تبقى إلى حين الجذاذ فإن أراد البائع قطعه قبل وقته لينتفع بالأرض لم يكن له ذلك لأن منفعة الأرض إنما حصلت مستثناة عن مقتضى العقد ضرورة إبقاء الزرع فتقدرت ببقائه كما لو باع دارا فيها متاع لا ينقل في العادة إلا في شهر فيكلف نقله في يوم لينتفع بها في بقيته والحصاد على البائع وعليه إزالة ما يبقى من عروقه المضرة بالأرض وتسوية حفره لأنه حصل بفعله لاستصلاح ملكه فأشبه من باع دارا فيها حجر للبائع فقلعه وتحفرت الأرض وإن اشترطها المشتري في البيع كانت له كالثمرة المؤبرة ولا تضر جهالته لأنه دخل في البيع تبعا للأرض فأشبه الثمرة بعد تأبيرها وإن لم يعلم المشتري بالبزرة فله الخيار لأنه عيب في حقه لما يفوت عليه من نفع الأرض فإن قال البائع‏:‏ أنا أحوله على وجه لا يضر وفعل سقط الخيار لزوال العيب وإن اشترى نخلا إذا طلع مؤبر لم يعلم تأبيره فله الخيار أيضا وإن بذل البائع قطعه لم يسقط الخيار لأن الضرر لا يزول بقطعه لأنه يفوت عليها ‏{‏ثمرتها‏}‏ عاما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان في الأرض ما له أصل يجز مرة بعد أخرى‏]‏

وإن كان في الأرض ما له أصل يجز مرة بعد أخرى فالجزة الظاهرة عند البيع للبائع والأصول للمشتري سواء كان مما يبقى عاما كالهندباء أو أكثر كالرطبة لأن أصوله تركت للبقاء فهي كالشجرة وما ظهر منه وجرت العادة بأخذه فهو كالثمرة المؤبرة وعلى البائع قطعه في الحال لأنه لا حد له ينتهي إليه ولأنه يطول والزيادة للمشتري وما تتكرر ثمرته مع بقاء أصله كالقثاء والباذنجان والبطيخ أو يقصد زهره كالبنفسج ونحوه فكذلك‏:‏ الأصول للمشتري وثمرته الظاهرة وزهره للبائع لأنه تؤخذ ثمرته مع بقاء أصله فهو كالبقول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم الحجارة المدفونة في الأرض أو الركاز‏]‏

وإن كان في الأرض حجارة مدفونة أو ركاز لم يدخل في البيع لأنه ليس من أجزائها إنما هو مودع فيها للنقل عنها فهو كالقماش فإن كانت الأحجار من نفس الأرض أو أساسيات الحيطان أو كان فيها معدن باطن كمعدن الذهب والفضة دخل في البيع لأنه من أجزائها أو متروك للبقاء فيها فهو كالبناء‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من باع دارا‏]‏

وإن باعه دارا دخل فيها ما اتصل بها كالرفوف المسمرة والخوابي المدفونة فيها للانتفاع بها والحجر السفلاني من الرحى المنصوب والأبواب المنصوبة وفي الحجر الفوقاني والمفتاح وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يدخل لأنه من مصلحة ما هو داخل في البيع فهو كالباب‏.‏

والثاني‏:‏ لا يدخل لأنه ينفرد عنه فهو كالدلو وما هو منفصل عنها مما ليس من مصلحتها كالدلو والحبل والبكرة والقفل لم يدخل في البيع لأنه منفصل عنها غير‏.‏

مختص بمصلحتها أشبه الفرش التي فيها‏.‏

وإن باعه قرية لم تدخل مزارعها في البيع إلا بذكرها لأن القرية اسم للأبنية دون‏.‏

المزارع‏.‏

باب‏:‏ بيع الثمار

لا يجوز بيع الثمار والزرع قبل بدو الصلاح من غير شرط القطع لما روى ابن عمر ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها‏]‏ متفق عليه وفي لفظ‏:‏ ‏[‏نهى عن بيع الثمار حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة‏]‏ رواه مسلم ولأن في بيعه عزرا من غير حاجة فلم يجز كما لو شرط التبقية فإن باعها بشرط القطع جاز لأنه يأخذها قبل تلفها فيأمن الغرر وإن باعها لمالك الأصل ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يصح لأنها تحصل لمالك الأصل فجاز كما لو باعهما معا‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصح لأنه أفردها بالعقد أشبه ما لو باعها لغيره وإنما يصح إذا باعهما لأنها تدخل تبعا كالحمل مع أمه وإذا بدا الصلاح جاز بيعها بشرط القطع مطلقا وبشرط التبقية للخبر ولأنه أمن العاهة فجاز بيعه كسائر الأموال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏صفة بدو الصلاح‏]‏

وبدو الصلاح في ثمرة النخل أن يحمر أو يصفر وفي العنب أن يسود أو يتموه وفي الحب أن يشتد أو يبيض وفي سائر الثمار أن يبدو فيه النضج أو يطيب أكله لما روي ‏[‏عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن بيع الثمرة حتى تطيب‏]‏ متفق عليه ونهى عن بيع الثمرة حتى تزهو قيل‏:‏ وما تزهو‏؟‏ قال‏:‏ تحمار أو تصفار ونهى عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع العنب حتى يسود رواه الترمذي‏.‏

وإذا بدا الصلاح في نوع جاز بيع ما في البستان منه وعنه‏:‏ لا يباع إلا ما بدا صلاحه للخبر والأول أظهر لأن ذلك يؤدي إلى الضرر والمشقة وسوء المشاركة وفي سائر الجنس وجهان مضى توجيههما في التأبير ولا يختلف المذهب أن بدو الصلاح في بعض الشجرة صلاح لجميعها وأن بدو صلاح جنس ليس بصلاح لجنس آخر لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة وإن بدا صلاح ثمرة بستان لم يكن صلاحا لثمرة غيره وعنه‏:‏ يكون صلاحا فيما قاربه لأنهما يتقاربان في الإدراك والمذهب‏:‏ الأول لأنه لا يفضي إلى سوء المشاركة وإن بدا الصلاح في ثمرة بستان فأفرد بالبيع ما لم يبد صلاحه لم يجز لأنه لم يبد صلاح شيء من المبيع أشبه البستان الآخر وفيه وجه آخر‏:‏ أنه يجوز لأنه يجوز بيعه مع غيره فجاز منفردا كالذي بدا صلاحه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ابتاع ثمرا أو زرعا بعد صلاحه‏]‏

وإذا ابتاع ثمرا أو زرعا بعد صلاحه لم يكلف قطعه قبل أوان الحصاد والجذاذ لأن ذلك العادة في نقله فحمل البيع عليه لما ذكرنا في الثمرة المؤبر وإن احتاجت إلى سقي لزم البائع سقيها لأن عليه تسليمها في أوان حصادها ولا يحصل إلا بالسقي فلزمه بخلاف ثمرة البائع المؤبرة على أصول المشتري لا يلزمه سقيها لأنه لا يلزمه تسليمها وإن تلفت بجائحة من السماء فهي من ضمان البائع لما روى جابر ‏[‏أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بوضع الجوائح‏]‏ وفي لفظ قال‏:‏ ‏[‏إن بعت من أخيك ثمرا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق‏؟‏‏]‏ رواهما مسلم ولأنها تؤخذ حالا فحالا فكانت من ضمان البائع كالمنافع في الإجازة والجائحة‏:‏ ما لا صنع لآدمي فيها فإن أتلفها آدمي فللمشتري الخيار بين الفسخ والرجوع بالثمن وبين الإمساك ومطالبة المتلف بالقيمة وظاهر المذهب أنه لا فرق بين القليل والكثير إلا أن يكون التالف يسيرا جرت العادة بتلف مثله قال أحمد‏:‏ لا أقول في عشر تمرات ولا عشرين تمرة ولا أدري ما الثلث وذلك لأن الشرع أمر بوضع الجوائح ولم يجعل له حدا فوجب رده إلى ما يتعارفه الناس جائحة وعنه‏:‏ أن ما دون الثلث من ضمان المشتري لأن الثمرة لا بد من تلف شيء منها فلا بد من حد فاصل والثلث يصلح ضابطا لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏والثلث كثير‏]‏ وإن بلغت الثمرة أو الزرع أوان الحصاد فلم ينقل حتى هلك فهو من ضمان المشتري لأنه لزمه النقل فكان التفريض منه فاختص الضمان به وإن اختلفا في التلف أو في قدره فالقول قول البائع لأنه غارم ولأن الأصل السلامة ولو اشترى الثمرة من الشجرة أو الزرع مع الأرض زال الضمان عن البائع بمجرد العقد لأنه حصل التسليم الكامل بتسليم الأصل فأشبه بيع الدار‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا اشترى ثمرة شجرة فحدثت ثمرة أخرى فاختلطتا‏]‏

وإذا اشترى ثمرة شجرة فحدثت ثمرة أخرى فاختلطتا ولم تتميزا أو حنطة فانثالت عليها أخرى لم يبطل البيع لأن المبيع باق انضاف إليه غيره فأشبه ما لو اشتبه العبد المبيع بغيره ويشتركان كل واحدة بقدر ماله إن علم قدره وإلا وقف حتى يصطلحا ويحتمل أن يبطل العقد لتعذر تسليم المستحق فأشبه تلف المبيع ولو باع الأصل وعليه ثمرة له فحدثت للمشتري ثمرة اختلطت بها لم يبطل العقد لأن المبيع هو الشجرة ولم يختلط بغيره ويشتركان في الثمرة كما بينا ولو باع ثمرة قبل بدو صلاحها بشرط القطع وتركها حتى بدا صلاحها أو جزة من الرطبة فطالت حيلة فالعقد باطل من أصله نص عليه لأن الحيل لا تجوز في الدين وإن لم تكن حيلة ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يبطل العقد لأن البقية معنى حرم اشتراطه لحق الله تعالى فأبطل العقد حقيقته كالنسيئة في الربويات‏.‏

والثانية‏:‏ لا يبطل لأنها زيادة في عين المبيع فلم يبطل بها البيع كسمن العبد قال القاضي‏:‏ والزيادة للمشتري لذلك وعن أحمد‏:‏ أنهما يشتركان في الزيادة على كلتا الروايتين لحصولها في ملك المشتري بسبب الأصل الذي للبائع وعنه‏:‏ يتصدقان بها قال القاضي‏:‏ هذا على سبيل الاستحباب لاشتباه الأمر فيها فينظر كم قيمتها قبل بدو صلاحها وبعده‏؟‏ فيشتركان فيها أو يتصدقان بها وإن جهلت القيمة وقف الأمر حتى يصطلحا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم بيع الشجرة التي تحمل حملين‏]‏

وإذا كانت شجرة تحمل حملين فباع أحدهما عالما أنه يحدث الآخر فيختلط بالأول فالبيع باطل لأنه باع ما لا يقدر على تسليمه لأن العادة فيه الترك فيختلط بالآخر ويتعذر التسليم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏بيع الرطبة‏]‏

ولا يجوز بيع الرطبة ونحوها مما يثبت أصله في الأرض ويؤخذ ما يظهر منه بالقطع دفعة بعد أخرى إلا أن يبيع الظاهر بشرط القطع في الحال لأن ما في الأرض مغيب وما يحدث منه معدوم فلم يجز بيعه كالذي يحدث من الثمرة وإذا باع القثاء والباذنجان ونحوها لقطة لقطة جاز ويكون للمشتري جميع اللقطة وما حدث للبائع‏.‏

قال القاضي‏:‏ ويجوز بيع أصولها صغارا كانت أو كبارا مثمرة أو غير مثمرة لأنه أصل تكرر منه الثمر فأشبه الشجر يكون حكمه حكم الشجر في أن ما كان من ثمرته ظاهرا عند البيع فهو للبائع وما لم يظهر فهو للمشتري ولا يجوز بيع الفجل والجزر نحوهما في الأرض لأن المقصود منها مغيب فأشبه بيع النوى في التمر‏.‏

باب‏:‏ الرد بالعيب

من علم بسلعته عيبا لم يحل له بيعها حتى يبينه لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا بينه له‏]‏ رواه ابن ماجة فإن باع ولم يبين فالبيع صحيح لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحح بيع المصراة مع نهيه عنه وحكي عن أبي بكر‏:‏ أن البيع باطل لظاهر النهي ومن اشترى معيبا أو مصراة أو مدلسا يعلم حاله فلا خيار له لأنه بذل الثمن فيه راضيا به عوضا فأشبه ما لا عيب فيه وإن لم يعلم فله الخيار بين رده وأخذ الثمن لأنه بذل الثمن ليسلم له مبيع سليم ولم يسلم له فثبت له الرجوع بالثمن كما في المصراة- وبين إمساكه المعيب وأخذ أرشه لأن الجزء الفائت بالعيب يقابله جزء من الثمن فإذا لم يسلم له كان له ما يقابله كما لو تلف في يده ومعنى الأرش‏:‏ أن ينظر بين قيمته سليما ومعيبا فيؤخذ قدره من الثمن فإذا نقصه العيب عشر قيمته فأرشه عشر ثمنه لأن ذلك هو المقابل للجزء الفائت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نماء المبيع المعيب‏]‏

فإن نما المبيع المعيب نماء متصلا كالسمن والكبر والتعلم والحمل والثمرة قبل الظهور وأراد الرد رده بزيادته لأنها لا تنفرد عن الأصل في الملك فلم يجز رده دونها وإن كانت منفصلة كالكسب واللبن وما يوهب له والولد المنفصل والثمرة الظاهرة رد الأصل وأمسك النماء وعنه‏:‏ ليس له رده دون نمائه والأول الذهب لما روت عائشة‏:‏ أن رجلا ابتاع غلاما فاستغله ما شاء الله ثم وجد به عيبا فرده فقال يا رسول الله‏:‏ إنه استغل غلامي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏الخراج بالضمان‏]‏ رواه أبو داود إلا أن الولد إن كان لآدمية لم يملك ردها دونه لأن فيه تغريقا بينهما وذكر الشريف‏:‏ أن له ردها لأنه موضع حاجة أشبه من ولدت حرا فباعها دونه والأول أولى لأن الجمع ممكن بأخذ الأرش أو ردهما معا فإن كان المبيع حاملا فولدت عند المشتري ثم ردها رد الولد معها لأنه من جملة المبيع والولادة نماء متصل‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعيب المبيع عند المشتري‏]‏

وإن تعيب المبيع عند المشتري ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ له أرش العيب وليس له رده لأن في رده ضررا فلا يزال الضرر بالضرر‏.‏

والثانية‏:‏ يرده وأرش العيب الحادث عنده ويأخذ الثمن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد المصراة بعد أخذ لبنها ورد عوضه ولأن جواز الرد كان ثابتا فلا يزول إلا بدليل ولا نص في منع الرد ولا قياس فيبقى بحاله فإن دلس البائع العيب فتعيب عند المشتري أو تلف بفعله أو غيره فالمنصوص أنه يرجع بالثمن ولا شيء عليه لأنه مغرور والقياس يقتضي التسوية بين المدلس وغيره لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوجب على مشتري المصراة عوض لبنها مع التدليس وجعل الخراج بالضمان ولم يفرق بين مدلس وغيره‏.‏

وعن أحمد‏:‏ في المبيع إذا كان صانعا أو كاتبا فنسي عند المشتري يرده بالعيب ولا شيء معه وهذا يحتمل أن يكون فيمن دلس العيب دون غيره لأن الصناعة والكتابة متقومة تضمن في الغصب وعلله القاضي‏:‏ أنه ليس بنقص في العين ويمكن تذكره فيعود‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تعيب المبيع قبل قبضه‏]‏

وما تعيب قبل قبضه وهو مما يدخل وهو مما يدخل في ضمان المشتري فهو كالعيب الحادث في يده وإن كان مما ضمانه على البائع فهو كالعيب القديم لأن من ضمن جملة المبيع ضمن أجزاءه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن وطئ المشتري الأمة‏]‏

وإن وطئ المشتري الأمة ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ ليس له ردها وله الأرش لأن الوطء يجري مجرى الجناية لا يخلو من عقر أو عقوبة‏.‏

والثانية‏:‏ له ردها إن كانت ثيبا ولا شيء معها لأنها معنى لا ينقص عينها ولا قيمتها ولا يتضمن الرضاء بالعيب فأشبه الاستخدام وإن كانت بكرا فهو كتعيبها عنده فإن ردها رد أرش نقصها كما لو عابت عنده‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن لم يعلم بالعيب حتى هلك المبيع‏]‏

فإن لم يعلم بالعيب حتى هلك المبيع بقتل أو غيره أو أعتقه أو وقفه أو أبق أو باعه أو وهبه فله الأرش لأنه تعذر عليه الرد وإن فعل ذلك مع علمه بالعيب فلا أرش له لرضاه به معيبا ذكره القاضي وقال أبو الخطاب في المبيع والهبة‏:‏ رواية أخرى‏:‏ له الأرش ولم يعتبر علمه وهو قياس المذهب لأننا جوزنا له إمساكه بالأرش وتصرفه فيه كإمساكه وإن باعه قبل العلم ثم رجع إليه ببيع أو غيره فله رده أو أرشه لأن ذلك امتنع عليه لخروجه من ملكه وبرجوعه إليه عاد الإمكان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن باع بعضه أو وهبه‏]‏

وإن باع بعضه أو وهبه فله أرش الباقي فأما أرش ما باع فينبني على ما قلنا في بيع الجميع وفي جواز رد الباقي بحصته من الثمن روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يجوز ذكره الخرقي لأن رده ممكن‏.‏

والأخرى‏:‏ لا يجوز لأن فيه تبعيض الصفقة على البائع فلم يجز كما لو كان المبيع عينين ينقصهما التفريق ولو اشترى شيءين فوجد بأحدهما عيبا فله ردهما معا أو إمساكهما وأخذ الأرش فإن أرد رد المعيب وحده ففيه الروايتان إلا أن يكونا مما ينقصهما التفريق كمصراعي باب وزوجي خف أو ممن لا يحل التفريق بينهما كالأخوين فليس له إلا ردهما أو إمساكهما مع الأرش لأن في رد أحدهما تفريقا محرما أو إضرارا بالبائع لنقصان قيمة المردود بالتفريق وإن تلف أحد المبيعين ووجد بالآخر عيبا فعلى الروايتين وإن اختلفا في قيمة التالف فالقول قول المشتري لأنه كالغارم فهو كالمستعير والغاصب وإن كانا معيبين باقيين فأراد رد أحدهما وحده فهي كالتي قبلها وقال القاضي‏:‏ ليس له رد أحدهما لأنه أمكنه ردهما معا ولو كان المبيع عينا واحدة فأراد رد بعضها لم يملك ذلك وجها واحدا لأن فيه تشقيص المبيع على البائع وإلحاقا لضرر الشركة به‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اشترى اثنان شيئا فوجداه معيبا‏]‏

وإن اشترى اثنان شيئا فوجداه معيبا فرضيه أحدهما ففيها روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ للآخر رده نصيبه لأنه جميع ما ملكه بالعقد فملك رده بذلك كما لو انفرد‏.‏

والأخرى‏:‏ ليس له رد لأن المبيع خرج عن ملك البائع كاملا فلم يملك المشتري رده مشقصا كما لو اشترى العين كلها ثم رد بعضها ولو ورث اثنان خيار عيب في سلعة فرضي أحدهما سقط رد الآخر لأن العقد عليها واحد بخلاف شراء الاثنين فإن عقدان وإن اشترى واحد من اثنين شيئا فوجده معيبا فله رد نصيب أحدهما عليه منفردا لأنه يرد عليه جميع ما باعه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من اشترى معيبا فزال عيبه قبل رده‏]‏

ومن اشترى معيبا فزال عيبه قبل رده مثل أن يشتري أمة مزوجة فطلقها الزوج فلا خيار له نصل عليه أحمد لأن الضرر زال ولو اشترى مصراة فصار لبنها عادة فلا خيار له وإن قال البائع‏:‏ أنا أزيل العيب مثل أن يشتري أرضا فيها حجارة تضرها فقال البائع‏:‏ أنا أقلعها في مدة لا ‏[‏أجرة‏]‏ لها أو اشترى أرضا فيها بذر للبائع فقال‏:‏ أنا أحوله سقط الرد لأن الضرر يزول من غير ضرر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏خيار العيب‏]‏

ذكر القاضي ما يدل على أن في خيار العيب روايتين‏:‏

إحداهما‏:‏ هو على التراخي لأنه خيار لدفع الضرر المتحقق فكان على التراخي كخيار القصاص فعلى هذا هو على خيار ما لم يوجد منه ما يدل على الرضي من التصرف على ما ذكرنا في باب الخيار‏.‏

والثاني‏:‏ هو على الفور لأنه خيار ثبت بالشرع لدفع الضرر عن المال فأشبه خيار الشفعة ولو حلب لبنها الحادث أو ركبها ليردها أو ليختبرها لم يكن رضى لأنه حق له إلى أن يرد فلم يمنع منه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل يشترط رضى صاحبه في خيار العيب‏]‏

وله الرد من غير رضى صاحبه ولا حضوره لأنه رفع عقد جعل إليه فلم يعتبر ذلك فيه كالطلاق ويجوز من غير حكم حاكم لأنه مجمع عليه فلم يحتج إلى حاكم كفسخ المعتقة للنكاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏مقدار العيوب التي توجب‏]‏

والعيوب هي النقائص المعدودة عيبا فما خفي منها رجع إلى أهل الخبرة به فمن العيوب في الخلقة المرض والجنون والجذام والبرص والعمى والعور والعرج والعقل والقرع والصمم والخرس والأصبع الزائدة والناقصة والحول والخوص والسبل وهو زيادة في الأجفان والبخر والخصا والتخنيث وكونه خنثى والحمق البات والتزوج في الرقيق فأما عدم الختان فليس بعيب في الصغير لأنه لم يفت وقته ولا في الكبير المجلوب لأن ذلك عادتهم وهو عيب في الكبير المولود في الإسلام لأن عادتهم الختان والكبير يخاف عليه فأما العيوب المنسوبة إلى فعله كالسرقة والإباق والبول في الفراش فإن كانت من مميز جاوز العشر فهي عيب لأنه يذهب بمال سيده أو يفسد فراشه وليس عيبا في الصغير لأنه لا يكون لضعف بنيته أو عقله والزنا عيب لأنه يوجب الحدود وكذلك شرب المسكر والحمل عيب في الأمة لأنه يخاف منه عليها وليس بعيب في غيرها لعدم ذلك والثيوبة وكون الأمة لا تحيض ليس بعيب لأن الإطلاق لا يقتضي وجود ذلك ولا عدمه وكذلك كونها محرمة على المشتري بنسب أو رضاع أو إحرام أو عدة لأن ما يختص بالمشتري لا ينقص ثمنها وسائر ذلك يزول عن قرب ومعرفة الغناء والحجامة ليس بعيب لأن النقص فعل ذلك لا العلم به والكفر وكونه ولد زنا ليس بعيب لأن الأصل في الرقيق الكفر ولا يقصد فيهم النسب وكون الجارية لا تحسن الطبخ والخبز ليس بعيب لأن هذه صناعة والجهل به كالجهل بسائر الصنائع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن شرط في المبيع صفة مقصودة‏]‏

وإن شرط في المبيع صفة مقصودة مثل أن شرط الأمة بكرا أو جعدة أو العبد كاتبا أو ذا صناعة أو فحلا أو خصيا أو مسلما أو الدابة هملاجة أو الفهد صيودا أو الشاة لبونا فبان خلاف ذلك فله الرد لأنه لم يسلم له ما بذل الثمن فيه فملك الرد كما لو وجده معيبا وإن شرط الأمة سبطة أو جاهلة فبانت جعدة أو عالمة فلا خيار له لأنها زيادة وإن شرطها ثيبا فبانت بكرا فكذلك ويحتمل أن له الخيار لأنه قد يشترط الثيوبة لعجزه عن البكر وإن شرطها كافرة فبانت مسلمة ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا خيار له لأنها زيادة‏.‏

والثاني‏:‏ له الخيار لأنه يتعلق به غرض صحيح وهو صلاحها للمسلم والكافر وإن شرطها حاملا صح‏.‏

وقال القاضي‏:‏ قياس المذهب أنه لا يصح لأن الحمل لا حكم له والصحيح الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم حكم في الدية بأربعين خلفة في بطونها أولادها ولأن الحمل يثبت الرد في المعيبة ويوجب النفقة للمبتوتة ويمنع كون الدم فيه حيضا والطلاق فيه بدعة ويجوز الفطر في رمضان للخوف عليه ويمنع إقامة الحد والقصاص وإن شرط في الطير أنه مصوت أو في الديك أنه يصيح في وقت من الليل صح لأن ذلك عادة له فجرى مجرى الصيد في الفهد وقال بعض أصحابنا‏:‏ لا يصح لأنه يجوز أن يوجد وأن لا يوجد وإن شرط أن يجيء من مسافة ذكرها صح لأن ذلك عادة وفيه قصد صحيح لتبليغ الأخبار فهو كالصيد في الفهد‏.‏

وقال القاضي‏:‏ لا يصح لأنه تعذيب للحيوان وإن شرط الغناء في الأمة وفي الكبش أنه مناطح وفي الديك أنه مقاتل لم يصح لأنه منهي عنه فهو كالزنا في الأمة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا اشترى ما مأكوله في جوفه فوجده معيبا‏]‏

وإذا اشترى ما مأكوله في جوفه فوجده معيبا فله الرد وعنه‏:‏ لا شيء له لأنه لا تدليس من البائع ولا يمكنه معرفة باطنه والأول‏:‏ أصح لأن عقد البيع اقتضى السلامة فإذا بان معيبا ملك رده كالعبد وإن كان مما لا قيمة له كبيض الدجاج والجوز الخرب والرمان الفاسد رجع بالثمن كله لأن هذا ليس بمال فبيعه فاسد كالحشرات وإن كان الفساد في بعضه رجع بقسطه وإن كان مما لمكسوره قيمة كجوز الهند وبيض النعام فقال الخرقي‏:‏ يرجع بالثمن وعليه أرش الكسر كما لو كان المبيع ثوبا فقطعه واختار القاضي‏:‏ أنه إن كان الكسر لا يزيد على ما يحصل به استعلام المبيع رده ولا شيء عليه لأن ذلك حصل ضرورة استعلام المبيع والبائع سلطه عليه فلم يمنع الرد كحلب لبن المصراة وإن زاد على ذلك خرج فيه روايتان كسائر المعيب الذي يعيب عنده‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من اشترى ثوبا لم ينشره‏]‏

وإن اشترى ثوبا لا ينقصه نشره فنشره فله رده بالعيب وإن كان ذلك ينقصه فهو كجوز الهند وإن صبغ الثوب ثم وجده معيبا فله الأرش لا غير وعنه‏:‏ يرده ويكون شريكا للبائع بقيمة الصبغ وعنه‏:‏ يرده ويأخذ زيادته بالصبغ والأول‏:‏ المذهب لأن إجبار البائع على بذل ثمن الصبغ إجبار على المعاوضة فلم يجز لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 29‏]‏‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا اشترط البائع البراءة من كل عيب‏]‏

وإذا اشترط البائع البراءة من كل عيب لم يبرأ لأن البراءة مرفق في البيع لا يثبت إلا بالشرط فلم يثبت مع الجهالة كالأجل وعنه‏:‏ يبرأ إلا أن يكون البائع علم بالعيب فكتمه لما روي أن ابن عمر باع عبدا من زيد بن ثابت بشرط البراءة بثمانمائة درهم فأصاب به عيبا فأراد رده على ابن عمر فلم يقبله فترافعا إلى عثمان فقال عثمان لابن عمر‏:‏ أتحلف أنك لم تعلم بهذا العيب فقال‏:‏ لا فرده عليه وهذه القصة اشتهرت فلم تنكر فكانت إجماعا ويتخرج أن يبرأ مطلقا بناء على قوله في صحة البراءة من المجهول ولأنه إسقاط حق من مجهول لا تسليم فيه فصح كالعتاق وإن قلنا بفساد الشرط فالبيع صحيح لأن ابن عمر باع بشرط البراءة فأجمعوا على صحته ويتخرج فساده بناء على الشروط الفاسدة‏.‏

باب‏:‏ بيع المصراة

لا يحل بيع المصراة فإن باعها فالبيع صحيح فإن كانت من بهيمة الأنعام ولم يعلم المشتري ثم علم فهو مخير بين إمساكها وردها لما روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏لا تصروا الإبل والغنم فمن ابتاع فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها إن شاء أمسك وإن شاء ردها وصاعا من تمر‏]‏ متفق عليه ولأن هذا تدليس بما يختلف الثمن به فأثبت الخيار كتسويد الشعر قال أبو الخطاب‏:‏ متى علم التصرية فله الخيار لأنه علم سبب الرد فملكه كما لو علم العيب وقال القاضي‏:‏ لا يثبت له الرد إلا عند انقضاء ثلاثة أيام لأن اللبن قد يختلف لاختلاف المكان وتغير العلف فإذا مضت الثلاثة بانت التصرية ويثبت الخيار على الفور وقال ابن أبو موسى‏:‏ إذا علم التصرية فله الخيار إلى تمام ثلاثة أيام من حين البيع لما روى أبو هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏من اشترى مصراة فهو فيها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ورد معها صاعا من تمر‏]‏ رواه مسلم‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏رد المصراة‏]‏

ويلزمه مع ردها صاعا من تمر بدلا عن اللبن الموجود حال العقد للخبر ويكون جيدا غير معيب لأنه واجب بإطلاق الشرع فأشبه الواجب في الفطرة وإن ردها قبل حلبها لم يلزمه شيء لأنه بدل اللبن ولم يأخذه وإن ردها بعد حلبها ولبنها موجود غير متغير ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يرده ولا شيء عليه لأنه بحاله لا عيب فيه‏.‏

والثاني‏:‏ عليه صاع تمر ولا يلزم البائع قبول اللبن أنه يسرع إليه التغيير وكونه الضرع أحفظ له وإن تغير اللبن فعليه الثمن ولا يلزم البائع قبول اللبن لتغيره وقال القاضي‏:‏ يلزمه قبوله لأن النقص فيه حصل باستعلام المبيع فإن لم يقدر على التمر فقيمته في الموضع الذي وقع عليه العقد لأنه بمنزلة عين أتلفها ولو رضي بالتصرية وأصاب عينا سواها فله ردها لأن رضاه بعيب لا يمنع الرد بما سواه وعليه مع الرد صاع تمر لأنه عوض للبن التصرية فيكون عوضا له مطلقا ويحتمل أن لا يلزمه هاهنا إلا مثل اللبن لبن الأصل وجوب ضمان اللبن بمثله خولف فيما إذا رد المصراة من أجل التصرية للخبر ففيما إذا ردها لعيب آخر يبقى على الأصل كما لو كانت غير مصراة وفيها لبن وإذا اشترى شاة غير مصراة فحدث لها لبن فاحتلبه ثم ردها بعيب فلا شيء عليه لأن اللبن حدث في ملكه وإن كان فيها لبن يسير لا يخلو الضرع من مثله فلا شيء فيه لأن مثل هذا لا عبرة فيه وأن كان كثيرا فعليه مثله لأن الأصل ضمان اللبن بمثله فلا يبطل بمخالفته في لبت التصرية وإن كان باقيا انبنى على رد لبن التصرية لما ذكرنا فإن قلنا‏:‏ لا يرده فبقاؤه كتلفه وهل له رد المبيع‏؟‏ يخرج على الروايتين فيمن اشترى ثوبا فقطعه ثم علم عيبه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كانت المصراة أمة أو أتانا‏]‏

فإن كانت المصراة أمة أو أتانا ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا رد له لأن لبنها لا عوض له ولا يقصد قصد لبن الأنعام‏.‏

والثاني‏:‏ له الرد لأن الثمن يختلف بذلك لأن لبن الأمة يحسن ثدييها ويرغب فيها ظئرا ولبن الأتان يراد لولدها فإن حلبها فلا شيء عليه للبنها لأنه لا قيمة له‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم التدليس الذي يختلف به الثمن‏]‏

وكل تدليس بما يختلف به الثمن يثبت خيار الرد قياسا على التصرية كتجعيد شعر الجارية وتسويده وتحمير وجهها وجمع الماء على الرحى وقت عرضها وعلى المشتري فإن حصل ذلك بغير قصد كاجتماع اللبن في الضرع بغير تصرية واحمرار وجه الجارية لخجل أو تعب فهو كالتدليس لأن الخيار ثبت لدفع الضرر عن المشتري فلم يختلف بالقصد وعدمه كالعيب وإن رضي المشتري بالمدلس فلا أرش له لأن النبي صلى الله عليه وسلم خير بين إمساك المصراة بغير شيء وردها مع التمر‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم التدليس الذي لا يختلف به الثمن‏]‏

وإن دلس بما لا يختلف به الثمن كتبييض الشعر وتسبيطه فلا خيار للمشتري لأنه لا ضرر في ذلك وإن علف شاة فطنها المشتري حاملا أو سود أنامل العبد ليظنه كاتبا أو حدادا أو كانت الشاة عظيمة الضرع خلقة فظنها كثيرة اللبن فلا خيار له لأن ذلك لا ينحصر فيما ظنه المشتري فإن سواد الأنامل قد يكون لولع أو خدمة كاتب أو حداد أو شروعه في ذلك وانتفاخ البطن قد يكون للأكل فظن المشتري غير ذلك طمع لا يثبت له خيارا‏.‏

باب‏:‏ اختلاف المتبايعين

إذا اختلفا في قدر الثمن والسلعة قائمة تحالفا لما روى ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ ‏[‏إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة والبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع أو يترادان البيع‏]‏ رواه ابن ماجة وفي لفظ ‏[‏تحالفا‏]‏ وكان البائع يدعي عقدا بثمن كثير ينكره المشتري والمشتري يدعي عقدا ينكره البائع والقول قول المنكر مع يمينه ويبدأ بيمين البائع لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل القول ما قال البائع وكان جنبته أقوى لأنهما إذا تحالفا رجع المبيع إليه فكانت البداية به أولى كصاحب اليد ويجب الجمع في اليمين بين النفي والإثبات لأنه يدعي عقدا وينكر آخر فيحلف عليهما ويقدم النفي فيقول‏:‏ والله ما بعته بكذا ولقد بعته بكذا لأن الأصل في اليمين أنها للنفي ويكفيه يمين واحدة لأنه أقرب إلى فصل القضاء فإن نكل أحدهما لزمه ما قال صاحبه وإن رضي أحدهما بما قال الآخر فلا يمين وإن حلفا ثم رضي أحدهما بما قال الآخر أجبر على القبول لأنه قد وصل إليه ما ادعاه وإن لم يرضيا فلكل واحد منهما الفسخ ويحتمل أن الفسخ للحاكم لأن العقد صحيح وإنما يفسخ لتعذر إمضائه في الحكم فأشبه نكاح المرأة إذا زوجها الوليان والأول‏:‏ المذهب لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏أو يترادان البيع‏]‏ فجعله إليهما وفي سياقه أن ابن مسعود رواه للأشعث بن قيس وقد اختلف في ثمن مبيع فقال الأشعث‏:‏ فإني أرى أن أرد البيع ولأنه فسخ لاستدراك الظلامة أشبه رد المعيب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تابع اختلاف المتبايعين‏]‏

وقال القاضي‏:‏ ظاهر كلام أحمد رضي الله عنه أن الفسخ ينفذ ظاهرا وباطنا لأنه فسخ لاستدراك الظلامة فأشبه رد المعيب واختار أبو الخطاب أن المشتري إن كان ظالما ففسخ البائع ينفذ ظاهرا وباطنا لعجزه عن استيفاء حقه فملك الفسخ كما لو أفلس المشتري وإن كان البائع ظالما لم ينفذ فسخه باطنا لأنه يمكنه إمضاء العقد فلم ينفذ فسخه ولم يملك التصرف في المبيع لأنه غاصب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اختلاف المتبايعين بعد تلف المبيع‏]‏

وإن اختلفا بعد تلف المبيع ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ يحالفان ويفسخان البيع لأن المعنى الذي شرع له التحالف حال قيام السلعة موجود حال تلفها فيشرع ويجب رد قيمة السلعة فإن اختلفا في قيمتها وجب قيمة مثلها موصوفا بصفاتها وإن زادت على ما ادعاه البائع لأن الثمن سقط ووجبت القيمة فإن اختلفا في الصفة فالقول قول المشتري مع يمينه لأن غارم‏.‏

والثانية‏:‏ القول قول المشتري مع يمينه اختارها أبو بكر لقوله في الحديث‏:‏ ‏[‏فالبيع قائم بعينه‏]‏ فمفهومه أن لا يشرع التحالف مع تلفها ولأنهما اتفقا على انتقال المبيع إلى المشتري بثمن واختلفا في الزائد الذي يدعيه البائع وينكره المشتري والقول قول المنكر وإنما ترك هذا مع قيام السلعة لإمكان التراد ولا يمكن رد السلعة بعد تلفها وإن تقايلا المبيع أو رد بعيب ثم اختلفا في الثمن فقال البائع‏:‏ هو قليل وقال المشتري‏:‏ هو كثير فالقول قول البائع لأن البيع قد انفسخ والبائع منكر لما يدعيه المشتري لا غير وإن مات المتبايعان فورثتهما بمنزلتهما لأنها يمين في المال فقام الوارث فيها مقام الموروث كاليمين في الدعوى وإن كان المبيع بين وكيلين تحالفا لأنهما عاقدان فتحالفا كالمالكين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاختلاف في قدر المبيع‏]‏

وإن اختلفا في قدر المبيع فقال‏:‏ بعتك هذا العبد بألف فقال‏:‏ بل هو والجارية فالقول قول البائع نص عليه لأنه ينكر بيع الجارية فاختصت اليمين به كما لو اختلفا في أصل العقد وإن قال‏:‏ بعتك هذا العبد فقال‏:‏ بل بعتني هذا الثوب حلف كل واحد منهما على ما أنكره خاصة ثم إن كان العبد في يد البائع فليس للمشتري أخذه لأنه لا يدعيه وإن كان في يد المشتري فليس للبائع أخذه لذلك إلا أن يتعذر عليه ثمنه فيفسخ البيع ويأخذه والثوب يقر في يد البائع ويرد إليه إن كان عند المشتري وإن قامت بينة بالعقدين ثبتا وإن قامت بينة أحدهما ثبت ويحلف المنكر للآخر ويبطل حكمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاختلاف في صفة الثمن‏]‏

وإن اختلفا في صفة الثمن رجع إلى نقد البلد نص عليه فإن كان فيه نقود رجع إلى أوسطها وعلى من القول قوله اليمين لأن الظاهر صدقه فكان القول قوله كالمنكر وقال القاضي‏:‏ يتحالفان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الاختلاف في أجل أو شرط أو رهن أو ضمين ونحوه‏]‏

وإن اختلفا في أجل أو شرط أو رهن أو ضمين ونحوه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ القول قول من ينكره مع يمينه لأنه منكر فأشبه منكر العقد من أصله‏.‏

والثانية‏:‏ يتحالفان لأنهما اختلفا في صفة العقد فأشبه ما لو اختلفا في قدر الثمن وإن اختلفا فيما يفسد العقد فالقول قول من ينفيه لأن ظاهر حال المسلم تعاطي الصحيح وإن قال أحدهما‏:‏ كنت مكرها أو مجنونا فالقول قول الآخر لأن الأصل معه وإن قال‏:‏ كنت صغيرا فكذلك نص عليه لأنهما اختلفا فيما يفسد العقد فقدم قل من يدعي صحته ويحتمل أن القول قول مدعي الصغر لأنه الأصل وإن قال عبد‏:‏ بعتك بغير إذن سيدي فأنكره المشتري فالقول قول المشتري لأن الأصل الصحة وإن أنكره السيد فالقول قوله لأن الأصل معه ولا دليل على خلافه وإن قال أحد المتصارفين‏:‏ تفرقنا قبل القبض أو ادعى فسخ العقد وأنكره الآخر فالقول قول مدعي الصحة لأن الأصل معه وإن اختلفا في عيب يحدث مثله فادعى كل واحد منهما أنه حدث عند صاحبه ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ القول قول البائع لأن الأصل عدم العيب‏.‏

والثاني‏:‏ القول قول المشتري لأن الأصل عدم القبض للجزء الفائت وعدم استحقاق ما يقابله من الثمن وإن رد بعيب فقال البائع ليس هذا المبيع فالقول قوله لأن الأصل سلامة المبيع وبقاء العقد وإن قبض المسلم فيه أو المبيع بالكيل ثم قال‏:‏ غلطت علي في الكيل ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ القول قول البائع لأن الأصل السلامة من الغلط‏.‏

والثاني‏:‏ القول قول المشتري لأن الأصل عدم القبض لما أنكر قبضه وإن كان قبضه جزافا فالقول قوله في قدره وجها واحدا‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن باعه بثمن معين‏]‏

وإن باعه بثمن معين وقال‏:‏ كل واحد منهما لا أسلم ما بعته حتى أقبض عوضه جعل بينهما عدل يقبض منهما ويسلم إليهما معا لأنهما سواء في تعلق حقوقهما بالعين وإن كان البيع بثمن في الذمة أجبر البائع على تسليم المبيع أولا لتعلق حق المشتري بعينه فقدم على ما تعلق بالذمة كأرش الجناية مع الدين ثم يجبر المشتري على تسليم الثمن فإن كان معسرا أو ماله غائب في مسافة القصر فللبائع فسخ المشتري على تسليم الثمن فإن كان معسرا أو ماله غائب في مسافة القصر فللبائع فسخ البيع لأن عليه ضررا في تأخير الثمن فجاز له الرجوع إلى عين ماله كما لو أفلس المشتري وإن كان الثمن حاضرا أجبر على دفعه في الحال وإن كان في داره أو دكانه حجر عليه في المبيع وفي سائر ماله حتى يسلمه لئلا يتصرف في المبيع فيضر بالبائع وإن كان غائبا دون مسافة القصر ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ جاز له الفسخ لأنه تعذر الثمن للإعسار أشبه الفلس‏.‏

والثاني‏:‏ لا يفسخ ولكن يحجر على المشتري لأنه في حكم الحاضر أشبه الذي في البلد والصحيح عندي أنه لا يجب عليه تسليم المبيع ما لم يحضر الثمن ويمكن أخذه لأن في تسليمه بدون ذلك ضررا وخطرا بفوات الثمن عليه يلزمه تسليم عوضه قياسا على العوض الآخر‏.‏